الإعلامية والخبيرة القانونية د إيناس محمد أحمد تكتب : بعثة تقصي الحقائق

( بعثة تقصي الحقائق )
كتبت ✍️
د.ايناس محمداحمد
اعتمد مجلس حقوق الإنسان في الثالث من اكتوبر 2023 قرارا بإنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان ، وأمن القرار علي الحاجة الملحة للتحقيق حول الانتهاكات التي حدثت لحقوق الإنسان ومكان وقوعها ، ومن الذي ارتكبها .
صدر القرار بتأييد أغلبية بسيطة بلغت 19 عضوا ومعارضة 16 وامتناع 12 عن التصويت .
تتألف البعثة من ثلاثة أعضاء ذوي خبرة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ويتم تعيينهم من قبل رئيس مجلس حقوق الإنسان لفترة أولية مدتها عام .
مهام هذه البعثة وفق أمر تفويضها تنحصر في التحقيق وإثبات الحقائق والأسباب الجذرية حول الانتهاكات التي حدثت لحقوق الإنسان والتجاوزات والانتهاكات للقانون الدولي الإنساني ، بما في ذلك المرتكبة ضد اللاجئين ، والجرائم ذات الصلة في أثناء الحرب التي نشبت في السودان في 15 أبريل 2023 .
يهدف القرار إلى تحديد الانتهاكات والمسؤولين منها ومحاسبتهم ووضع تدابير المسألة القانونية وضمان عدم الإفلات من العقاب والوصول بالضحايا الى العدالة .
هذه البعثة هي هيئة مؤقتة ذات طابع غير قضائي ، وغالبا تتألف من ثلاثة أو خمسة أعضاء ( يكون العدد فرديا لتسهيل اتخاذ القرار النهائي فيها ) ، ولابد أن يتوافق عملها مع مبادئ ومعايير ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي لحقوق الانسان ، والقانون الدولي الإنساني ، والقانون الجنائي الدولي ، القانون الدولي للاجئين ، وقد وضعت الأمم المتحدة مجموعة من المبادئ والمعايير لعمليات تقصي الحقائق التي تنفذ تحت ولايتها .
وردت بعض الملاحظات حول تقرير هذه البعثة :-
1/ نص التقرير علي حظر السلاح علي جميع أنحاء البلاد وفي ذلك توسيع لقرار مجلس الامن القاضي بحظر السلاح علي دارفور فقط ، وفي ذلك تهديد لأمن وسلم البلاد في ظل ظروف الحرب الراهنة ، وهل يشمل حظر السلاح البعثة الأممية التي اقترحتها البعثة ام ماذا ؟
2/ ساوى تقرير البعثة بين الجيش الرسمي للدولة الذي يقوم بمهامه في حماية البلاد والمواطنين وبين مليشيا متمردة .
3/ ركز التقرير علي وصم الجيش بالاعتداءات رغم قلة الادلة علي ذلك في حين لم تذكر إلا جزء يسيرا عن اعتداءات المليشيا رغم الأدلة الدامغة في أقوال الضحايا والتسجيلات المصورة التي وثقتها المليشيا نفسها على أفعالها.
4/ حينما ذكرت المجازر التي حدثت للمساليت والتي
تشكل جريمة إبادة جماعية ، ذكر تقرير البعثة عبارة ( المليشيات والقوات المتحالفة معها ) في إشارة لوجود قوات اخرى ( متحالفة معها ) قد تكون هي التي ارتكبت المجارز وقد تتقاسم الوزر معها.
5/ لم توجه البعثة في تقريرها للمليشيا مباشرة وبشكل صريح وواضح ارتكابها لجرائم الاغتصاب بشكل ممنهج ضد النساء والفتيات وسجلت حالات لأطفال أيضا ، وأشارت في تقريرها الى عبارة ( عناصر يرتدون زي الدعم السريع ) .
6/ جمع التقرير بين الجيش والمليشيا في تجنيد الأطفال واستخدامهم في العمليات العسكرية ولم تحدد كم عدد الاطفال المجندين في الجيش وكيف تم تجنيدهم؟ ولماذا لم تزر البعثة معسكرا واحدا من المعسكرات التي يجند فيها أطفال؟ ، بينما للمليشيا مقاطع مصورة لجنودها وعملية تجنيد أي مرتزق دون مراعاة للسن .
7/ البعثة قدمت تقريرها بناء علي إفادات عدد 182 ناجيا فقط في ثلاث دول ( كينيا ، أوغندا، تشاد ) ، دون التطرق الي الضحايا الذين توجهوا الى دول الجوار الاخري ، وهو نطاق ضيق لاعتماد قرارات دولية في حرب تهدد سلامة المنطقة كلها .
8 / حماية المدنيين هي أولوية قصوى للحكومة السودانية والجيش السوداني ، والدليل وجود المدنيين آمنين في المناطق التي تخضع لسيطرة القوات المسلحة ، وكان من الأفضل أن تندد اللجنة بالانتهاكات التي تحدثها المليشا ضد المدنيين .
9/ للسودان لجنة وطنية للتحقيق في جرائم وانتهاكات القانون السوداني والقانون الدولي الإنساني ، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وكان الأوفق دعم الجهود الوطنية بدلا من توسيع نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
10/ التقرير ذكر تمدد الصراع الى 14ولاية من أصل 18 ولاية ( حسب التقرير ) ، كيف اذن توصي البعثة بحظر السلاح ؟ كيف سيدافع الجيش عن الدولة ؟؟ .
11/ أوصت البعثة بقوات أممية ،، هل تدخل مثل هذه التوصيات في نطاق تفويضها ؟؟ ، كما أن للسودان تاريخا مع القوات الأممية حيث رحب السودان بإنشاء قوة مشتركة ( أفريقية دولية ) بعد قرار مجلس الأمن رقم 1769 بتاريخ 31 يوليو 2007 المدرج تحت البند السابع لإنشاء قوات يوناميد وهذه القوات نفسها كانت تطلب من القوات المسلحة حمايتها حين تعرضعها لاي اعتداء من المتمردين ، فكيف لقوات لا تستطيع حماية نفسها ان تحمي مدنيين في ظل الحرب ؟
12/ لم يعلق التقرير علي مجهودات الحكومة السودانية لحماية المدنيين والبنى التحتية التي دمرتها المليشيا .
هذه النقاط وغيرها قد تضعف من تقرير البعثة التي يفترض أنها قامت بعملها بعد أداء يمين ، وأن تلتزم بمبادئ ومعايير تقصي الحقائق المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني أهمها :-
1/ ألا تسبب الضرر ، بمعنى ان تضمن السلامة للأشخاص الذين تتواصل معهم ولا تسبب لهم أي ضرر بفعل او بالامتناع عن فعل.
2/ الاستقلالية ، بحيث تتصرف البعثة باستقلال تام عن أية جهة وألا تتأثر باي مصدر أو معلومة .
3/ الحياد ، يجب أن تكون البعثة محايدة وأن تقف على خط واحد من كل الأطراف دون انحياز لأي طرف او جهة .
4/الشفافية ، يجب علي اللجنة أن تصرح علنا عن المعلومات المتعلقة بولايتها ومنهجها وعملها ، وألا تعمل في السر ، وألا تقوم بأنشطة إلا بموافقة الدولة .
5/ الموضوعية ، على اللجنة جمع الوقائع ذات الصلة من كل المصادر المتاحة والنظر بموضوعية وحياد تام لكل المعلومات التي تتحصل عليها .
6/ السرية ، علي البعثة ان تلتزم بسرية المعلومات حول المتعاونين معها حماية لهم من انتقام أي طرف ، وكذلك سرية المعلومات التي تجمعها حفاظا علي مصداقيتها ونزاهتها.
7/ المصداقية ، يجب أن تكتسب البعثة ثقة الضحايا والشهود والمتعاونين معها من أجل الحصول علي معلومات صادقة حقيقية .
8/ الوجود في مكان واضح للبعثة يسهل الوصول اليه لأي شخص .
9 / النزاهة ، يجب أن تلتزم البعثة بالنزاهة مع كل الأطراف في الحديث معهم ، او جمع المعلومات أو الوقائع ورصدها وتحليلها.
10/ المهنية في العمل ، لابد من توافر المهنية في أعضاء البعثة لأداء مهمتهم علي أكمل وجه ، وأن يكون لهم خبرة او معرفة بظروف وأحوال الضحايا ، وحجم المعاناة التي يعيشونها ، ومساعدتهم في إيصال ما حدث لهم للعالم .
في كل الأحوال يجب أن تتكامل الجهود الدولية مع الجهود الوطنية من أجل الوصول لحلول تعيد حقوق الشعب السوداني ، ومعاقبة كل من ارتكب جرائم حرب وانتهاكات ضد انسانية .
نواصل ،،،،