الخبيرة القانونية والإعلامية د . إيناس محمد أحمد تكتب : جرائم الحرب (3)

جرائم الحرب (3)
كتبت ✍🏻
د.إيناس محمد أحمد
نواصل الحديث حول جريمة الابادة الجماعية كجريمة دولية لها اتفاقية دولية خاصة بها ،
وكيف ان الأمم المتحدة اعتمدت نص اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها في 9 ديسمبر 1948 ، بعد الحصول علي التصديقات العشرين اللازمة وفقا للمادة 13 ، وبدأ سريان الاتفاقية في 12 يناير 1951 .
حيث استخدم تعبير الابادة الجماعية لأول مرة من الباحث البولندي رافائيل ليميكين في كتابه ( حكم المحور في أوربا المحتلة ) والذي صدر في أواخر العام 1944 .
تمت صياغة نص الاتفاقية علي ثلاث مراحل :
1/وضعت الأمانة العامة للأمم المتحدة مشروعا للنص ، والذي اعتمده ثلاثة من الخبراء هم ( رافائيل ليملكين ، فسياسيان بيلا ، هنري دونيديودي فاير ) ، باعتباره خلاصة لمفاهيم من شأنها مساعدة الجمعية العامة للأمم المتحدة وليس محاولة لتقديم نص يمكن استخدامه لأي تسوية سياسية .
2/تكوين لجنة متخصصة تحت سلطة المجلس الاقتصادي الاجتماعي لصياغة مشروع الأمانة العامة .
3/اتخذت اللجنة السادسة للجمعية العامة مشروع اللجنة المتخصصة اساسا للمفاوضات التي أجرتها في أواخر العام 1948 ، والتي تمت الموافقة فيها علي النص النهائي للاتفافية وتقديمه الي الجمعية العامة لاعتماده رسميا في جلسة عامة .
يذكر ان المناقشات التي سبقت اعتماد اتفاقية منع الابادة الجماعية شكلت إرثا قانونيا مكن العالم من اعتماد ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية ، بعد مرور نصف قرن من الزمان .
إذ لم تنعقد المحكمة الدولية لتطبيق هذه الاتفاقية لأول مرة الا بعد صدورها بحوالي خمسة عقود ، وذلك من خلال العمليات القانونية القضائية التي اعقبت الصراع في رواندا ويوغسلافيا سابقا ، حيث اعدت مذبحة سربنيتشا ، ومذبحة صبرا وشاتيلا، وما قام به النازيون الألمان ضد اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، وما يحدث في غزة من الاحتلال الصهيوني كلها نماذج دولية لجريمة الإبادة الجماعية ، يضاف لها ما يحدث في السودان من قتل جماعي يستهدف المدنيين من قبل المليشيا المتمردة ، وما يحدث من استهداف عرقي لعرقيات معينة ودفنهم أحياء ، بما يشكل جريمة إبادة جماعية .
سعي المجتمع الدولي لوضع اتفاقية مستقلة لمنع جريمة الابادة الجماعية يجعله امام تحد في الوفاء بالالتزامات الدولية أهمها التزام الدول بمنع الجريمة ، والالتزام بسن تشريع ووضع عقوبات لمرتكبها، فضلا عن الالتزام بالتعاون الدولي في مجال تسليم المجرمين ، وقد منحت المادة التاسعة لمحكمة العدل الدولية ولاية قضائية علي المنازعات بين الدول الأطراف فيما يتعلق بتفسير الاتفاقية وتطبيقها.
الملاحظ للاتفاقية يجد انها في مادتها الاولي اوضحت ان جريمة الابادة الجماعية يمكن ارتكابها في وقت السلم والحرب ، بمعني انه لا يشترط وجود نزاع مسلح حتي تقع جريمة الإبادة الجماعية ، وتربط المادة أيضا بين المنع والعقاب .
كذلك اوردت في المادة الثالثة قائمة باربعة أفعال اضافية لجريمة الابادة الجماعية بالإضافة إلي الارتكاب الفعلي المباشر للجريمة ، وهي :
التواطؤ علي ارتكاب الجريمة، أو المشاركة في ارتكاب الفعل ، او ارتكاب أفعال تمهيدية تؤدي لارتكاب الجريمة ، او التحريض المباشر العلني لارتكاب الجريمة .
كما تلزم المادة الرابعة رؤساء الدول وغيرهم من الشخصيات السياسية الرئيسية عدم الحق في الدفع بالصفة الرسمية .
وتلزم المادة الخامسة الدول بأن تسن قوانين وتشريعات متوافقة مع الاتفاقية .
ويكون بموجب المادة التاسعة لمحكمة العدل الدولية الولاية القضائية علي المنازعات المتصلة بتفسير او تطبيق او إنفاذ الاتفاقية .
يذكر ان جريمة الابادة الجماعية لا تسقط بالتقادم ومرتكبها لا يستفيد من اي حصانة ، إذ يتم ملاحقة المتهمين بارتكابها دون النظر الي مناصبهم سواء كانو حكاما ، او موظفين عامين او أفرادا عاديين .
ولابد ان نشير هنا الي مبدأ عالمية العقاب بمعني ان لكل دولة الحق في القبض علي مرتكب جريمة الابادة الجماعية دون النظر الي جنسيته ،او مكان ارتكاب الجريمة وتقديمه للعقاب في اية دولة طرف في الاتفاقية ، الي ان تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية فأصبح لها الاختصاص في ذلك .
أيضا لا يجوز العفو او التنازل عن الحق القانوني كله او جزء منه في جريمة الابادة الجماعية، لأنها من أخطر الجرائم الدولية، ويقصد بالعفو هنا العفو (الخاص) حيث يملك رئيس الدولة السلطة التقديرية في العفو عن المجرم بعد أن تثبت ادانته، فيسقط عنه العقوبة المحكوم بها كليا او جزئيا ،
او العفو (العام ) و يتمثل في إجراء تشريعي يكون الغرض منه ازالة صفة الإجرام عن كل فعل مدان طبقا للقانون .
من كل ما سبق لا يجوز العفو في جريمة الابادة الجماعية
وقد تم التأكيد علي عدم العفو كمبدأ في عدد من الاتفاقيات مثل الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليه ، اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب المترتبة ضد الانسانية، ومبادئ التعاون الدولي في تعقب واعتقال وتسليم ومعاقبة الأشخاص المتهمين بارتكابها.
كما نلاحظ ان النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لم يشر لأي نظام عفو لجريمة الابادة الجماعية .
سمحت السوابق القضائية لمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وضع نهج تقييدي لتفسير الأفعال التي تشكل جريمة إبادة جماعية يستند في اطاره القضائي لعدد من الأفعال مثل التطهير العرقي والهجمات المماثلة ضد جماعات من المدنيين بهدف تشريدهم ونهبهم.
كما اوضحت الاتفاقية ان ارتكاب الفعل او التأمر بغرض ارتكابه او التحريض عليه او الاشتراك في ارتكاب الفعل او المساعدة علي ارتكابه كلها مجرمة قانونا ، وتتعهد الأطراف المتعاقدة في مثل هذه الحالات بتلبية طلب التسليم وفقا لقوانينها المتوافقة مع معاهداتها الدولية التي تستوجب التعاون مع الجهات الدولية ذات الصلة.
لجريمة الابادة الجماعية مبادئ وأحكام قانونية تلزم أعمالها كافة الدول بصرف النظر عن كونها دولة متعاقدة ام لا ، فهي مبادئ دولية معترف بها ، تستهدف تحقيق غايات انسانية وحضارية تتمثل في حماية الحياة للجماعات البشرية.
1/جريمة الابادة الجماعية جريمة دولية ، تقع تبعاتها علي الدولة من جهة وعلي الاشخاص الطبيعيين مرتكبي الجريمة من جهة اخري ،سواء ارتكبت في أثناء الحرب او السلم .
2/ لابد من توافر صفة في المجني عليهم ، بأن تكون قومية او اثنية او عرقية او دينية ، تتعرض لافعال إبادة جماعية.
3/ الصفة غير السياسية لجريمة الابادة الجماعية ، وفقا للمادة 7 من الاتفاقية اذ لا تعتبر جريمة الابادة الجماعية والأفعال المنصوص عليها في المادة 3 من الجرائم السياسية ، فيما يتعلق بتسليم المجرمين ، وتتعهد الدول المتعاقدة في هذه الحالة بإجراء التسليم وفقا لتشريعاتها والمعاهدات القائمة في هذا الشأن.
4/ لابد من التعاون الدولي للقضاء علي جريمة الابادة الجماعية، حيث لا يمكن القضاء علي هذه الجريمة بالمواثيق الدولية المكتوبة او العرفية فقط ، لذلك لابد من تعاون دولي ميداني جاد علي ارض الواقع ، بعيدا عن التقاطعات والمصالح السياسية بتفعيل مبدأ عالمية العقاب بحيث يحق لأية دولة القاء القبض علي المتهم وتقديمه للمحاكمة دوليا ، وكذلك ان يتم تسليم المجرمين المدانين في جريمة الابادةالجماعية مباشرة وباسرع وقت ، وتقديم مبدأ حماية الإنسانية اولا كمبدأ دولي .
نواصل ،،،