مقالات

نور نيوز تنشر مقالات الهندي عزالدين بعد زيارته لبورتسودان بعنوان : 5 أيام في بورتسودان .. كيف تبدو قيادة الدولة والجيش ؟

الهندي عزالدين يكتب :

5 أيام في بورتسودان .. كيف تبدو قيادة الدولة والجيش ؟ الحلقة (1)

~ الصحفي من غير معلومات مثل السيارة بدون وقود ، لا يمكنها التحرك ، ولذلك كان مهماً جداً بالنسبة لنا كصحفيين محترفين أن نسعى إلى المعلومة من مصادرها العليا في الدولة وقيادة الجيش ، في ظل تضارب الأنباء وانتشار الشائعات وتسيّد صحافة الفيسبوك ، فكانت رحلة بورتسودان المباركة.
~ عندما طلبت مني الجهة الحكومية المنظمة للرحلة المساعدة في تشكيل وفد صحفي لزيارة بورتسودان ، كانت المعايير أن يكون أعضاء الوفد رؤساء تحرير صحف عملوا بالصحافة التقليدية (الورقية) سابقاً وأن يكونوا مهنيين مستقلين لا ينتمي أحدهم لحزب أو جماعة سياسية.
لماذا رؤساء تحرير سابقين أو حاليين وكيف تشكل الوفد؟
الإجابة : لحساسية المرحلة سياسياً وعسكرياً وأمنياً ، وهذا يتطلب خبرة ودقة عالية في نقل الأخبار والمعلومات عن قيادات الجيش وأعضاء مجلس السيادة الذين يشكون باستمرار من النقل الخاطىء والتفسير المُخِل للتصريحات ما يضر بسير معركة الكرامة التي تخوضها القوات المسلحة بشرف وبسالة وكبرياء لتحرير كل السودان من دنس التمرد الغاشم.
~ أعضاء الوفد السوداني على صغره ، يمثلون أجيال مختلفة ومن تخصصات متنوعة :
~ الدكتورة بخيتة أمين -حفظها الله – تمثل أقدم جيل من الصحافة السودانية ما زال يمارس المهنة ، وهي سابقة للأستاذين الكبيرين أحمد البلال الطيب ومحجوب عروة بعدة سنوات وهما أعرق رؤساء التحرير ، وقد ترأست د.بخيتة تحرير عدداً من المجلات والاصدارات الصحفية ، خاصة المعنية بشأن المرأة والأسرة ، كما ظلت تكتب في الشأن العام عبر عمود (جرة قلم) منذ عقود طويلة بصحيفة الرأي العام وغيرها وهي عميد كلية الصحافة والطباعة بأم درمان.
~ الأستاذ النور أحمد النور ، هو من جيل سابق لجيلنا ، وهو من المدرسة الخبرية ، ويُعد النور أميز رؤساء أقسام الأخبار في الصحافة السودانية طوال الأربعين عاماً الماضية ، وهو رئيس تحرير سابق لصحيفتي الصحافة والإنتباهة في أوج مجديهما ، وهو الآن مراسل الجزيرة نت و وكالة الأنباء الإسبانية.
~ الأستاذة سمية سيد ، هي أيضاً من جيل سابق لنا في الصحافة ، وهي صحفية اقتصادية متخصصة في هذا المجال ، ورأست تحرير صحيفتي العاصمة والتغيير. تشكيل الوفد راعى تمثيل المرأة ، ومن اسمين كبيرين (د.بخيتة وأستاذة سمية).
~ الأستاذ الطاهر ساتي ، هو من جيل أتى بعدنا ، وقد ظهر لأول مرة في الكتابة السياسية في عمودي (شهادتي لله) بصحيفة ألوان في أحد أيام العام 2000 م (قبل 24 عاماً) وقدمتُه للقراء وأفخر بذلك ، ثم انطلق ساتي كالسهم ليصبح أحد أبرز كتاب الرأي في الصحافة السودانية وترأس قبل سنوات تحرير صحيفة اليوم التالي.
~ شخصي الضعيف ، عملتُ صحفياً محترفاً لأكثر من 28 عاماً ، وشاركتُ في تأسيس صحيفة آخر لحظة مع الهرمين الكبيرين الأستاذ حسن ساتي رحمه الله الذي عندما كان رئيس تحرير الأيام في عهد مايو كنتُ وقتها في المرحلة الابتدائية ، والأستاذ الرفيع المحترم مصطفى أبوالعزائم ، وكانت رئاسة مجلس الإدارة للباشمهندس الحاج عطا المنان ، كرجل أعمال وليس كسياسي ، ثم أسستُ صحيفة الأهرام اليوم وصرتُ رئيساً لتحريرها عام 2009م بشراكة مالية ثلاثية ، كأول رئيس تحرير صحيفة سياسية من أبناء جيلي ، ثم أسست في العام 2012 صحيفة المجهر السياسي وترأست هيئة تحريرها .
~ الوفد المصري :
ضم الوفد المصري ، ولأول مرة منذ سنوات طويلة ، رئيس تحرير واحدة من ثلاث صحف قومية كبرى تتبع للدولة وهي صحيفة الأخبار ( أهرام ، أخبار ، جهورية) ويحفظ السودانيون هذه العبارة الشهيرة التي تتردد في الأفلام والمسلسلات المصرية ، وهو الدكتور المحترم أسامة السعيد. وبالتالي د. أسامة يشغل أعلى وظيفة صحفية في جمهورية مصر العربية.
~ قصدت الجهة المنظمة الاهتمام بقناة القاهرة الإخبارية وتكريمها ، كأهم قناة إخبارية مصرية حالياً ، وهي القناة العربية الوحيدة التي تطلق صفة (مليشيا) على قوات الدعم السريع ، وقد سبقت تلفزيون السودان في الوقوف مع الدولة والجيش السوداني قبل أن ينتقل لاحقاً إلى بورتسودان بعد احتلال مقره واستوديوهاته في أم درمان بواسطة المليشيا. ولهذا جاءت من القناة المذيعة آية لطفي والمصور محمد إسماعيل ، وكان المفروض أن ينضم للوفد المنتج بالقناة إسلام أبو المجد وحالت ظروف عدم حصوله على موافقات من الجهات المختصة على عدم سفره رغم اكتمال اجراءات الطرف السوداني وحصوله على تأشيرة الدخول.
~ كان ضمن الوفد الصحفية المصرية المسؤولة عن ملف السودان وأفريقيا في صحيفة الشروق الأستاذ سمر إبراهيم وهي تمثل الصحافة المصرية الخاصة.
~ رشحنا أيضاً مدير تحرير صحيفة روز اليوسف الأستاذ أحمد إمبابي وهو محلل سياسي معروف يظهر في جميع القنوات المصرية في ما يتعلق بالشأن السوداني.

~ حراك الوفد

~ أحدث الوفد حراكاً إعلامياً وسياسياً كبيراً وغير مسبوق في بورتسودان ، وقد ظلت وكالات الأنباء العالمية والقنوات الفضائية العربية والأجنبية تنقل يومياً أخبار وصور ومخرجات لقاءات الوفد مع قيادات الدولة والجيش طوال الخمسة أيام الماضية.
~ هذا الحراك الكبير أكد على الفرق الشاسع بين الصحافة الاحترافية المهنية وصحافة الفيسبوك والناشطين والناشطات ومندوبات الإعلانات الذين زحموا الأجواء في عهد الفوضى والسيولة السياسية والأمنية والإعلامية التي سادت طوال الخمس سنوات الماضية.
~ مثل الوفد مصدر المعلومات الأساسي للرأي العام السوداني وأجهزة الإعلام ، وأدى دور استشارية إعلامية وسياسية لقيادة الدولة والجيش خلال هذه الفترة المحدودة ، بما طرحه من أفكار ورؤى داخل الجلسات المغلقة مع السادة رئيس وأعضاء مجلس السيادة ومدير جهاز المخابرات ووزيري الإعلام والمالية وحاكم دارفور والسيد النائب العام.
~ نقل الوفد لرئيس وأعضاء مجلس السيادة وقيادة الجيش رأي الشارع السوداني في ما يتعلق بالأداء العسكري والسياسي كما ظللنا نكتب ناقدين مرات ومدافعين عن الجيش بقوة على مدى عام وأربعة أشهر ، دون تلطيف أو مجاملة ، وطرحنا قضية الحرب والسلام بوضوح على طاولات البرهان وكباشي وعقار وجابر وجبريل ومناوي ، واستمعنا منهم وعرفنا دفوعاتهم ، نشرنا ما يصلح للنشر بمهنية عالية وعبر ديسك موحد تخرج منه العناوين البارزة لكل لقاء ، وأبقينا على غير المناسب حالياً ، حتى في المعلومات التي لم يطلب قادة الجيش عدم نشرها.

~ في مطار بورتسودان

~ وصلنا بورتسودان منتصف الليل، كان في استقبال الوفد ضابط رفيع من جهاز المخابرات السوداني برتبة اللواء يصاحبه عدد من الضباط وبعد ساعة من الإجراءات غادرنا المطار إلى فندق كورال ، حيث كان لابد من إحترام وإكرام وفادة الوفد المصري الذي يزور معظمه السودان لأول مرة (قصدت الجهة المنظمة الانفتاح على وجوه إعلامية مصرية جديدة غير التي زارت السودان كثيراً).
~ كنا نتوقف في كل الارتكازات التي يشكلها الجيش في الطريق إلى المدينة ، فحظر التجوال يبدأ في بورتسودان من الحادية عشرة ليلاً.
~ خلدنا للنوم ثلاث ساعات فقط ، ليبدأ البرنامج في الصباح الباكر نفس يوم الوصول ، وكانت البداية مع وزير الثقافة والإعلام الأستاذ جراهام عبدالقادر.

10

~ المخابرات .. المؤسسة الماكينة !

~ رغم أن الجهة الداعية للوفد هي وزارة الإعلام ، لكن لدواع أمنية ولأن الوفد يضم صحفيين أجانب ، فإن جهاز المخابرات العامة هو الذي تولى تأمين ومرافقة وتنظيم مقابلات الوفد لجميع المسؤولين ، هذا الجهاز الذي كاد أن يقضي عليه ناشطو الحرية والتغيير في حقبة العبث السياسي من خلال تهميش دوره عبر الوثيقة الدستورية وحصره في مهمة جمع المعلومات فقط ، ثبت عملياً من خلال ميادين هذه الحرب أنه مؤسسة وطنية راسخة ، تعمل بماكينة دفع رباعي وبنسق عالي التنظيم ودقة فائقة لا تحتمل الخطأ ، ضباطه يعملون صباحاً ونهاراً وليلاً بمن في ذلك المدير العام الرجل الوقور الحكيم عين الدولة التي لا تنام الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل ، يعملون جميعاً بدوام مفتوح حتى الساعات الأولى من الصباح وينامون لسويعات ، ليبدأون يوماً جديداً.
~ الجهاز يقاتل بجسارة وبسالة في الحرب ضد التمرد المليشياوي ، باسم هيئة مكافحة الجريمة والإرهاب (هيئة العمليات) ، ويدافع في بورتسودان عن الدولة لتبقى واقفة وشامخة تعبر عن الشعب السوداني ، و لا تموت ، ليحيا الشعب وتستقر الدولة التي أراد آل دقلو ورعاتهم في الإقليم القضاء عليها من صبيحة 15 أبريل 2023م .
~ يفارقنا ضابط المخابرات عاطف بنهاية برنامج اليوم عند منتصف الليل ، ويقول إنه ذاهب للمكتب !! ويعود لنا عند الثامنة صباحاً حيث نتناول وجبة الإفطار سريعاً (فول ، بيض ، زبادي وشاي).

~ وزير الإعلام وسر الهجوم عليه

~ السيد وزير الإعلام جراهام عبدالقادر ، رغم الهجوم الكثيف عليه من الصحفيين واتهامه بالتقصير ، إلا أنه في لقائه الوفد السوداني المصري أظهر قدرات عالية في التعبير عن نفسه وطرح المعلومات المتاحة أمامه في تقارير رسمية عن حجم الضرر الذي تعرضت له كافة قطاعات الدولة جراء هذه الحرب وبالأرقام ، وكان حاضراً في الإجابات ، وقد نشرنا جانباً من حديثه وأحاديث غيره من قيادات الدولة ، لكنني هنا مهتم بنقل الوجه الآخر للزيارة والانطباعات والتقييم لِمَن التقيناهم مِن المسؤولين ، وذلك لفائدة المواطن السوداني.
~ مشكلة جراهام كوزير أنه لا يحب الظهور والمبادرة وهو وزير وزارة الظهور !!
~ جراهام مؤهل ومتمكن ومتحدث جيد ، ولكن شخصية المثقف والمبدع (موسيقي محترف) داخله تدفعه بعيداً عن الكاميرات ، وهذا سبب الهجوم عليه من الإعلاميين ، ولذلك المطلوب من مؤسسة الدولة تغطية هذا الجانب ، بدعوة وزير الإعلام لحضور أي لقاء رسمي متعلق بالإعلام ، يجريه الرئيس البرهان وأعضاء مجلس السيادة، وقد أنابت عنه في مقابلتنا مع الفريق أول البرهان وكيل وزارة الإعلام الأستاذة سمية الهادي بمبادرة شخصية منها.

~ سأتحدث في الحلقة القادمة حول انطباعاتي من مقابلات قادة الجيش والدولة.

الهندي عزالدين يكتب :

5 أيام في بورتسودان .. كيف تبدو قيادة الدولة والجيش ؟
الحلقة (2)

~ في بورتسودان وخلافاً لما كان في خرطوم قبل الحرب ، فإن قوة تأمين رئيس وأعضاء مجلس السيادة والقائدين جبريل ومناوي ، تستلم أجهزة الموبايل من الضيوف عند الاستقبال ، لتضعها على طاولة أو صندوق ، غير أنك في استقبال رئاسة جهاز المخابرات العامة تمر على بوابة إلكترونية ثم توضع اجهزة الهاتف المحمول في دواليب صغيرة مرقمة ، كما هو الحال في السفارة البريطانية بالخرطوم.
~ درجة الحراسة والتأمين عالية في مكتبي الرئيس البرهان والفريق أول كباشي ، لدرجة أن أحد حراس الكباشي الأشداء لحق بالمصور الفوتوغرافي فمسح بعض الصور التي التقطها معنا نائب القائد العام في حوش منزله الفسيح.

~ في مكتب الفريق إبراهيم جابر

~ أول مرة ألتقي عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق بحري مهندس إبراهيم جابر ، وكنت أسمع أنه يتمتع بقدرات وامكانيات خاصة تجعله مميزاً وسط العسكريين من دفعته ، وربما تتوفر لضباط البحرية خبرات ومعارف وعلوم ورحلات عبر البحار إلى دول العالم تجعل الضابط مختلفاً في ثقافته العامة عن ضباط الأفرع الأخرى في الجيش (المارينز في الجيش الأمريكي نموذجاً للتميز).
~ بدا لي الفريق جابر مرتباً ومنظماً ، يتحدث والتقارير إلى جواره ، يقرأ منها أحياناً ما يحتاجه من أرقام لتعضيد حجته ، خاصة عند الرد على سؤال الدكتورة بخيتة أمين عن شكوى منظمات الأمم المتحدة والعون الإنساني من عدم حصولها على أذونات الحركة لقوافل الإغاثة وتعويق حصول منسوبيها على تأشيرات دخول السودان ، فجاء رده بالأرقام والنسب المئوية لتصاديق وموافقات الحكومة ومنح التأشيرات فتراوحت النسبة بين 99.5% و 100% ، وقال بصراحة : (كذابين) ! نفس الكلمة استخدمها الفريق أول كباشي في وصف دعاوى المنظمات !
~ إتفق الفريق جابر ووزير المالية دكتور جبريل إبراهيم على أن الغذاء متوفر في السودان وليس هناك مجاعة كما تروج الأمم المتحدة والإدارة الأمريكية ، ولكن مليشيا الدعم السريع تعوق وصول المواد الغذائية إلى المواطنين في الولايات التي تحتلها ، بل تنهب مخزون المزارعين من الذرة والقمح كما حدث في ولاية الجزيرة فضلاً عن نهبها مخازن برنامج الغذاء العالمي في مدني .
~ قال جابر إن الأمم المتحدة لم تستجب لطلب الحكومة بتوصيل شحنات من المواد الغذائية إلى كادوقلي والدلنج عبر طائرات المنظمة الدولية ، رغم التزام الحكومة بتوفير المواد الغذائية للسكان في جنوب كردفان ، وهذا يكشف سوء نوايا القائمين على العمل الإنساني في تلك المؤسسات الدولية.
~ الفريق جابر كان الأكثر هجوماً في حديثه على (آل دقلو) مقارنةً ببقية القادة ، عكس ما توقعتُ ، وذلك لحساسية وتعقيدات خلفيته القبلية حيث ينحدر من ذات عشيرة حميدتي وأخوانه ، ما جلب له الكثير من المشكلات.
~ جابر ، ولأول مرة ، وجه اتهاماً قوياً وصريحاً ومباشراً لقيادة الدعم السريع بفض اعتصام القيادة العامة في يونيو 2019 ، وأكد أن الوثائق والصور ومقاطع الفيديو تؤكد ذلك ، ولكن جهةً ما لم تكن تريد إظهار الحقيقة ، في إشارة إلى (الحرية والتغيير) التي تحالفت مع حميدتي منذ وقت مبكر بعد تغيير النظام السابق.
~ كان لافتاً أن الفريق جابر وعلى غير عادته – فهو شحيح الظهور في مقابلات مع أجهزة الإعلام – كان منفتحاً جداً معنا في هذا اللقاء وقال الكثير ، ولم يطلب عدم نشر أي معلومة ، وبدا قوياً واثقاً من نفسه غير مهتم بالحملات الإعلامية ضده ، وقد طلبتُ منه إجراء مقابلة خاصة لقناة القاهرة الإخبارية وأخرى لرئيس تحرير صحيفة الأخبار المصرية ، فوافق على الفور وحدد الموعد في اليوم التالي .. وقد كان.

~ القائد والوزير دكتور جبريل إبراهيم

~ من ملاحظاتي القديمة المتجددة أن قادة حركات الكفاح المسلح بصفة عامة ، يصرون على تعيين أعضاء الحركات وذوي القربى في مكاتبهم وحراساتهم ، بينما لا تجد هذا المظهر في مكاتب قادة الجيش ، غض النظر عن الجهة والقبيلة التي ينتمي لها جنرال الجيش ، فالفريق أول كباشي – مثلاً – مدير مكتبه وسكرتيره ومدير مراسمه وعدد من حراسه ليسوا من جبال النوبة ، ولذلك ظللنا نقول قبل وبعد الحرب أن القوات المسلحة السودانية مؤسسة قومية عريقة تجمع كل جهات وقبائل السودان دون فرز وخصوصية ، نرجو أن ينتبه الدكتور جبريل وهو رجل سياسي عريق والقائد مني أركو مناوي لهذه الملاحظة المهمة إذا أرادا أن يطرحا نفسيهما للشعب السوداني بمختلف جهاته وإثنياته.
~ دكتور جبريل بطبعه منفتح على الإعلام ، ويضع تقدير خاص للصحافة ويتواصل معها باستمرار، وهذه الصفة ميزت معظم الزعماء السياسيين في السودان من الإمام الصادق المهدي والدكتور حسن الترابي – رحمهما الله – إلى رموز الاتحاديين والشيوعيين وبقية القوى السياسية.
~ قابلنا دكتور جبريل مرتين ، مرة ليلاً في بيته كوفد سوداني ، والثانية في مكتبه صباحاً بحضور رئيس تحرير الأخبار المصرية الدكتور أسامة السعيد.
~ الرجل يتمتع بشخصية قوية وواضحة ويجتهد من مقعده كوزير للمالية في أن يسيطر على حالة الاضطراب الاقتصادي الكبير الذي أحدثته الحرب ، فضرب الفقر الغالبية العظمى من السودانيين.
~ دكتور جبريل قال إن انتاج القمح زاد هذا العام وبلغ 750 ألف طن رغم ظروف الحرب ، وعزا ذلك إلى استخدام التقاوى المحسنة ، كما بلغ انتاج الذرة 3 ملايين و700 ألف طن، وهي أرقام أكدتها (الفاو) .
غير أن الوزير أشار إلى أن المواطن لم يعد قادراً على شراء المواد الغذائية بسبب حالة الإفقار التي تسببت فيها مليشيا الدعم السريع بنهبها كل مدخرات وممتلكات المواطنين.
~ وتساءل جبريل : إذا كانوا جادين في توصيل الغذاء للسودانيين في الداخل ويضغطون لفتح كل الحدود ، فلماذا يجوع أهلنا في معسكرات اللاجئين بشرق تشاد ؟ لماذا لم يطعمونهم وهم خارج مناطق الحرب ؟
~ بدا لي من وراء الإجابات في الجلسة الليلية الخاصة مع دكتور جبريل ، أنه متناغم مع الرئيس البرهان ويشكل معه ثنائية تفاهم سياسي وتنفيذي.
~ لاحظتُ أن غلاء أسعار السلع في بورتسودان فاحش وغير محتمل للمواطن ، وكذا الحال بدرجة أقل في أم درمان ونهر النيل والشمالية وبقية ولايات السودان ، ولابد من اتخاذ إجراءات عاجلة وناجعة من وزارة المالية وبنك السودان المركزي للسيطرة على ارتفاع التضخم وتصاعد سعر صرف النقد الأجنبي مقابل الجنيه ، وذلك بعقد اتفاقيات مع دول صديقة وشقيقة لتوفير السلع الأساسية بالعملات المحلية أو عبر قروض سلعية ، وفي رأيي أن أداء البنك المركزي يحتاج للمزيد من الجهد والأفكار الجديدة لاحتواء الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعاني منها المواطن ، دون الاكتفاء بحجة تأثير تداعيات الحرب على الاقتصاد وهو أمر معلوم بالضرورة.

~ نواصل في الحلقة القادمة

*الهندي عزالدين يكتب :* *5 أيام في بورتسودان .. كيف تبدو قيادة الدولة والجيش ؟* *الحلقة (3)*~ الطقس في بورتسودان ساخن إذ تتجاوز درجة الحرارة حاجز الـ 40 والرطوبة عالية ، ما اضطر حكومة ولاية البحر الأحمر إلى اتخاذ قرار يايقاف الدراسة للمدارس الابتدائية والثانوية ، وعلمنا أن الشهر الماضي كان أعلى حرارةً ورطوبةً ، ورغم ذلك يحاول سكان بورتسودان بمن فيهم مئات الآلاف من النازحين من الخرطوم والجزيرة ودارفور أن يصمدوا في مواجهة الأهوال التي تعرضوا لها بسبب المليشيا المتوحشة ، ليبقوا في السودان ، يغالبون الحياة رغم وطأة الضغوط وقسوة المأساة وفظاعة العدوان.~ لم تكن المدينة الساحلية التي زرتها عدة مرات في عهد الوالي ايلا والوالي علي حامد ، ونزلتُ بذات الفندق عندما كان اسمه (هيلتون) قبل نحو 17 عاماً ، لم تكن مهيأة لاستقبال هذه الأعداد الكبيرة من النازحين من الولايات الأخرى.~ كتبتُ وقتها أن شوارع بورتسودان أنظف من شوارع الخرطوم، ولكن الانفجار السكاني الذي تعرضت له المدينة بعد الحرب ، وسوء إدارة الولاة في عهد ما بعد الثورة أحال بورتسودان إلى مدينة بائسة تنقطع عنها الكهرباء والمياه لساعات طويلة وترتفع فيها أسعار جميع السلع الاستهلاكية بأرقام غير معقولة ، إذ يتجاوز إيجار الشقة المفروشة فيها المليون جنيه (مليار) ، بينما الشقة في أم درمان كرري لا يتجاوز 400 ألف جنيه مع خدمات أفضل !!~ ويبذل الوالي الجديد الفريق مصطفى محمد نور الذي لم نسعد بلقائه ، جهوداً مقدرة لتحسين وجه الساحل ، ولكن التحدي كبير والواقع مرير.~ *الفريق أول كباشي .. حميمية اللقاء*~ إجراءات التأمين مشددة عند مدخل مقر إقامة نائب القائد العام الفريق أول ركن شمس الدين كباشي ، منزله الفسيح مجاور لمكتبه.~ عند باب الصالون الرحيب ، وقف الجنرال الفارع يستقبلنا بحرارة ومحبة واحترام ، وظل كباشي خلال اللقاء ينادي كل منا بالاسم (أستاذ فلان وأستاذة فلانة) ، وسأل عن عضو الوفد المصري المنتج بقناة القاهرة الإخبارية الذي تخلف عن الرحلة لأسباب إدارية (وين أستاذ إسلام ؟).~ ورغم رفض الكباشي بشدة إجراء حوار خاص للقناة ، لتقديرات تخصه في الوقت الراهن ، إلا أنه كحال رئيس وأعضاء مجلس السيادة تحدث معنا بأريحية عالية وحكى تفاصيل كثيرة متعلقة بما جرى في المنامة وقبلها ، لكننا آسرنا عدم نشرها ، لتقديرات مهنية وسياسية خاصة بالوفد أيضاً.~ بدا لي الفريق أول كباشي بصحة جيدة ، وبكامل لياقته وحيويته وذات وزنه ، عكس ما يروج المغرضون في إعلام المليشيا المتوحشة المتمردة وأعوانهم ، ليضربوا معنويات الجيش الباسل الكاسر.~ أهم ملاحظة خرجتُ بها من لقاء نائب القائد العام أن العلاقة بينه والقائد العام في أفضل حالاتها ، فقد ظل كباشي يردد طوال اللقاء عبارة (الرئيس البرهان) كلما جاءت سيرة البرهان ولا يقول القائد العام ، نفس العبارة كان يرددها الفريق إبراهيم جابر عند لقائنا به.~ لقد سعى البعض في التمرد ، وآخرون من داعمي الجيش ، إلى إثارة الفتنة بين القائد العام ونائبه ، لكن دهاء البرهان وذكاء الكباشي أحبط كل تلك المحاولات ، وظلت وحدة قيادة الجيش عصية على الاختراق وهي سر ثبات الجيش وبقاء الدولة راسخة تصد الهجوم العسكري الدولي الواسع الذي اجتاح السودان في الولايات الـ18 في وقت واحد صباح 15 أبريل 2023 م.~ الكباشي الذي التقيناه مباشرةً بعد اجتماع لمجلس السيادة قال لنا 🙁 إن الشعب السوداني لم يعد يرغب في سماع المزيد من الكلام بل يريد فعل عسكري على الأرض) وربما كان هذا سبب امتناعه عن اجراءات مقابلات صحفية خاصة.وبشر الفريق أول شمس الدين الشعب بأفعال على الأرض خلال الفترة المقبلة.~ ويبدو أن صراخ المليشيا وحواضنها في دارفور خلال اليومين الماضيين بعد هجمات الطيران الحربي المكثفة على قواعد الدعم السريع المتمرد في الجنينة ونيالا والضعين ، تأكيدٌ على ما أرسله الكباشي من بشريات.~ نائب القائد العام عضو مجلس السيادة أكد أنهم متمسكون بالوصول لاتفاق سلام عادل يضمن تعويض الشعب السوداني عما لحق به من أضرار جسيمة ، وشدد على ألا يقر الاتفاق أي مستقبل سياسي أو عسكري للدعم السريع.~ الكباشي رد على سؤال حول الحوار مع دولة الإمارات لإنهاء الحرب بما يلبي مصالحها الاقتصادية ، فقال إنهم لا يرفضون الحوار معها ، وأنهم منفتحون على الجميع بما يضمن مصالح الشعب السودانى ومصلحة أي دولة تريد الاستثمار في السودان ، وأشار إلى عرض سابق غير عادل من الإمارات لاستثمار أراضي منطقة الفشقة الزراعية ، وكان ينص على شراكة بنسبة 50% للإمارات الممولة ، و25% لإثيوبيا المجاورة و25% للسودان صاحب الأرض !! ولذلك تم رفضه.~ الكباشي أكد أن أمريكا غير جادة في تنفيذ اتفاق جدة وقال : (ليست هناك أي جهة تستطيع أن تملي علينا قرار) .~ ودعنا الجنرال المهيب بذات الحميمية في حوش داره بعد التقاط صور تذكارية.~ *نواصل في الحلقة القادمة*

*الهندي عزالدين يكتب :* *5 أيام في بورتسودان .. كيف تبدو قيادة الدولة والجيش ؟* *الحلقة (4)*~ بعد مقابلة عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق إبراهيم جابر ، قصدنا برج الضمان الاجتماعي في بورتسودان حيث كان النائب العام لجمهورية السودان مولانا الفاتح طيفور في انتظارنا في قاعة كبرى بصفته (رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق في جرائم وانتهاكات القانون الوطني والقانون الدولي الإنساني) بصحبة أعضاء اللجنة المكونة من ممثلي وزارات وجهات عديدة في الدولة من بينها ديوان النائب العام والقوات المسلحة والشرطة و وزارة العدل و وزارة الخارجية التي يمثلها السفير أبوفاطمة.~ يمين النائب العام جلس مساعده مولانا ياسر بخاري ويساره وكيل وزارة الإعلام عضو اللجنة الأستاذة سمية الهادي ، فيما اصطف أعضاء اللجنة على يمين النائب العام ، جلس الوفد الإعلامي السوداني المصري على يساره.~ اللجنة تتبع لمجلس السيادة ، ومهمتها ملاحقة المتمردين من منسوبي مليشيا الدعم السريع والمتعاونين معها وهي مشكلة بموجب القرار 143 لسنة 2024.~ النائب العام قال إن المليشيا أطلقت سراح 19481 نزيلاً من 36 سجناً في ولايات السودان المختلفة ، وأنها نهبت جميع البنوك والشركات ومنازل المواطنين في جميع الولايات التي احتلتها ، كما قتلت وجرحت أكثر من 8 آلاف مواطن من قبيلة المساليت في مدينة الجنينة باستهداف عرقي وأشار النائب العام إلى المجازر التي ارتكبها التمرد في عدد من قرى ولاية الجزيرة وأبرزها ود النورة و ودالعشا . ~ وأوضح أن حالات الاغتصاب حسب وحدة مكافحة العنف ضد المرأة تبلغ 216 حالة موثقة ، مبيناً أن المليشيا ارتكبت على نطاق واسع جرائم الاسترقاق الجنسي وبيع الفتيات والتجنيد القسري للأطفال ما تسبب في مقتل أكثر من 4500 طفلاً في العمليات العسكرية.~ بلغت جملة الدعاوى المرفوعة ضد قادة وأفراد من الدعم السريع 15868 دعوى ، وأحالت اللجنة 135 دعوى إلى المحاكم ، وتم الحكم بالإعدام والسجن المؤبد على 49 متهماً.~ النائب العام رئيس اللجنة أكد أن الإحالة للمحاكم تستوجب توفر أدلة دامغة وشهود ، وأنهم حريصون على توفر البينات الكافية وعدم أخذ الناس بالشبهات والاتهامات الجزافية عبر السوشيال ميديا ، وتساءل : كم قضية حكمت فيها المحكمة الجنائية الدولية منذ تأسيسها ؟ كم حكم صدر عن جرائم الإبادة في رواندا رغم سقوط ملايين الضحايا ؟ وكان يشير إلى قلة عدد الأحكام في تلك المحاكم الدولية رغم مرور سنوات طويلة وذلك مرده إلى أهمية تحقيق العدالة وفق اجراءات وضوابط صارمة لا تأخذ الأبرياء إلى المحاكم.~ النائب العام رئيس اللجنة أكد على امتلاك الدعم السريع أسهماً في بنوك الخليج والثروة الحيوانية وتنمية الصادرات عبر أفراد وشركات إضافة الى 21 شركة كبرى و22 اسم عمل.~ بالنسبة للسياسيين الموالين للمليشيا ، قال النائب العام إن القضايا ضدهم قانونية بالمخالفة للقانون الوطني الجنائي والقوانين الدولية ولا علاقة لها بالسياسة، وأضاف : (نحن كنيابة جهة فنية لا علاقة لنا بالسياسة). ورداً على سؤال حول إمكانية شطب البلاغات ضد الساسة حال التوصل لاتفاقيات سلام ، قال : (هناك قوانين تنظم تلك الإجراءات مع مراعاة حقوق الناس).~ *مالك عقار .. استياء من القوى السياسية* ~ الفارق الزمني بين مقابلتنا لنائب رئيس مجلس السيادة السيد مالك عقار ومدير المخابرات العامة الفريق أول أحمد مفضل عشر دقائق ، وعشر دقائق مثلها فصلت بين مغادرتنا مكتب مدير المخابرات ودخولنا بوابة مكتب الرئيس عبدالفتاح البرهان ، ما يشير إلى كثافة البرنامج ودقة ضبطه ، حيث كنا نجد المسؤول في انتظارنا وقد أكمل برنامجه السابق. وقد ذكرتني هذه الرحلة بزيارة إلى الصين عام 2008 م بدعوة من الخارجية الصينية لستة صحفيين سودانيين ، أربعة من الشمال واثنين من جنوب السودان ، وكنتُ رئيس الوفد إلى بكين وشانغهاي الرائعة التي تنافس نيويورك وهونغ كونغ في عدد ناطحات السحاب. كانت أنفاسنا تتقطع بين برامج المقابلات في بلد المليار ونصف المليار نسمة ، وعندما نتأخر لدقائق ، كان الدبلوماسي الصيني الشاب المرافق لنا يهتف بعربية تشبه لغة ترجمة مسلسلات الأطفال : ( هيا بنا .. لقد تأخرنا خمس دقائق) !! ولفت انتباهي وقتها أن جميع الدبلوماسيين الصينيين الذي يخدمون في دول الشرق الأوسط ملزمون بتعلم اللغة العربية في معهد تابع لوزارة الخارجية.~ أطل علينا نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار بطريقته المحببة في السلام مع المداعبات ، ومازحني بلطافة : ( الهندي You look good ) ، وهو كثير الاستخدام للتعابير الإنجليزية في حديثه بصفة عامة ، فقد عمل في بداية حياته معلماً للغة الإنجليزية.~ شن عقار هجوماً شديداً على القوى السياسية ووصفها بأنها (ميتة) وأنها كانت متهالكة قبل العام 1989 م وقضى نظام الإنقاذ على ما تبقى فيها من روح.~ عقار هو المسؤول عن ملف القوى السياسية في مجلس السيادة ، ولذلك يبدو مستاءً من أدائها وعدم استفادتها من فرصة توحد الشعب خلف القوات المسلحة خلال حرب الكرامة ، وكشف أن القوى السياسية والمدنية المساندة للجيش (قوى الميثاق الوطني) التي التأمت في القاهرة ، أعدت مصفوفة تنتهي بتشكيل الحكومة من كفاءات مستقلة وأنها ضربت موعداً في 27 يوليو الماضي ، لكن ذهبت ولم تعد لمجلس السيادة حتى الآن !!~ بعد ساعات من نشر انتقادات عقار للقوى السياسية ، عدنا لفندق كورال ، لنجد حشداً من ممثلي الأحزاب والحركات والكتل اجتمعت في إحدى قاعات الفندق وخرج الدكتور التجاني السيسي رئيس كتلة الحراك الوطني ممثلاً لها ، يتلو بياناً يدعم موقف حكومة السودان والجيش الرافض للذهاب إلى جنيف والانخراط في مفاوضات لا تلتزم بتنفيذ مقررات جدة.~ عقار قال إن الاتحاد الأفريقي جمد عضوية السودان بعد ساعات من إجراءات 25 اكتوبر 2021 م فكيف يريد أن يحل مشكلة السودان !! مشيراً إلى عدم تعليق عضوية دول أفريقية أخرى شهدت انقلابات. وأكد نائب رئيس مجلس السيادة أن السودان لن يعود لمنظمة إيقاد إلا بعد اعتذارها.~ عقار بدا واثقاً أن أمريكا ليس في وسعها أن تفعل شيئاً ضد قيادة الجيش وحكومة السودان ، وذلك رداً على سؤال عن السيناريو المتوقع إزاء رفض الجيش الذهاب إلى مفاوضات جنيف ، فقال : ( لا إثم بعد الكفر ، ولا كارثة بعد الحرب ، ماذا يمكنهم أن يفعلوا). وقال إن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن كان يمكنه أن يقنع الجميع بالذهاب إلى جنيف لو استخدم هو والمبعوث بيرييلو لغة مختلفة عن لغتهم المستفزة.~ *نواصل في الحلقة القادمة*

*الهندي عزالدين يكتب :* *5 أيام في بورتسودان .. كيف تبدو قيادة الدولة والجيش ؟* *الحلقة (5- 5)* ~ في برنامج الوفد الإعلامي السوداني المصري ، كان لابد من مقابلة سعادة سفير جمهورية مصر العربية لدى السودان هانىء صلاح والقنصل العام اللواء تامر منير والقنصل العام السفير سامح فاروق.~ داخل مبنى القنصلية المصرية في بورتسودان ، استقبلنا بحرارة ومحبة سعادة السفير هانىء صلاح ، نجم السفراء العرب والأفارقة في بلادنا ، وأيقونة الدبلوماسية المصرية ، هذا الرجل الرفيع البديع الذي ظل مهتماً بالوفد ومتابعاً اجراءات سفره حتى وصل مطار بورتسودان ، مثلما تابعه بذات الإيقاع سفيرنا في القاهرة سعادة الفريق أول عماد الدين مصطفى عدوي الذي ودع الوفد المصري بمكتبه في الدقي.~ في نهار بورتسودان القائظ ، جمعت الوفد المشترك جلسة حوار شفاف حول العلاقات السودانية المصرية مع السفير هانئ والقنصل سامح بحضور عدد من المستشارين بالسفارة ، وتبادلنا بحُب الأفكار والآراء حول سبل تعزيز علاقات شعب وادي النيل العظيم.~ في ونستنا الجانبية مع الزملاء في القاهرة تعودنا أن نطلق لقباً على الشخص الإيجابي فنسميه (الرجل أو الشاب التفاحة) ، وعلى هذا المنوال ، فإن السفير هانىء صلاح هو ( تفاحة الخارجية المصرية) ، فشكراً له على جميل التعاون وحفاوة الاستقبال.~ *في مقر المخابرات ..* ~ عبرت السيارات التي تقلنا بوابة رئاسة جهاز المخابرات العامة في بورتسودان ، وهبطنا أمام الباب الداخلي ، مروراً بجهاز الفحص الإلكتروني ، ومنه إلى درج ينتهي إلى باب ثالث يفتح بشفرة ، دلفنا إلى بهو دائري كبير تزينت جدرانه بصور داخل براويز تشكل معرضاً صغيراً لنشاط مدير المخابرات السودانية في فترة ما بعد الحرب ، حيث جمعت الصور الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل مع عدد من رؤساء أجهزة المخابرات الدولية.طفنا على المعرض ، ثم انتقلنا إلى صالون فخيم ملحق بمكتب المدير العام.~ لا مقارنة بين مباني رئاسة الجهاز في الخرطوم الشاهقة الفسيحة ومبنى بورتسودان الذي كان في الأصل مقر إدارة المخابرات في ولاية البحر الأحمر ، لكنه الأفضل قياساً إلى وزارات ومؤسسات حكومية عديدة انتقلت إلى بورتسودان فلم تجد مقرات تناسب طبيعة عملها وعدد موظفيها.~ *الفريق أول مفضل .. الخبرة والحكمة* ~ أطل علينا الفريق أول أحمد مفضل عبر باب مكتبه الداخلي وصافح أعضاء الوفد السوداني المصري ثم أخذ مقعده وإلى جواره مدير إدارة الإعلام اللواء التجاني ، التجليس هنا كان بدقة عالية ونظام ، حيث جلس الوفد المصري على يمين المدير العام بينما الوفد السوداني على يساره.~ رحب الفريق أول مفضل بالوفد المصري وتحدث عن العلاقات السودانية المصرية بتقدير كبير وعرفان ومحبة ، وأثنى على دعم القيادة المصرية لوحدة واستقرار السودان ، وحُسن استقبال الشعب المصري لأشقائه السودانيين الذين لجأوا لشمال الوادي بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م.~ مدير المخابرات العامة طلب عدم نشر الحديث المطول الذي أدلى به للوفد المشترك ، والاستفادة منه في فهم خلفيات حرب مليشيا الدعم السريع على الدولة السودانية وآفاق المستقبل السياسي والعسكري.~ بدا مفضل واثقاً من حسم التمرد وإنهاء الحرب ، لكنه مهموم بالمستقبل الذي يؤسس لدولة سودانية زاهرة وآمنة ومستقرة. ~ يمتلك الجهاز خبرات عالية وقدرات بشرية هائلة مكنته من إسناد الجيش بقوة في معركة الكرامة ، سواء على صعيد المعركة في ميادين القتال عبر قوات مكافحة الجريمة والإرهاب (هيئة العمليات سابقاً) ورصد حركة خلايا التمرد في الداخل ، أو على مستوى العمل الخارجي بالغ الأهمية في كسر طوق الحصار الدولي المفروض من رعاة التمرد على الجيش السوداني وفي هذا الملف بذل مفضل جهداً جباراً نعلمه ونتابعه منذ أيام الحرب الأولى.~ ورغم أن الفريق أول مفضل ينحدر من إحدى قبائل دارفور التي انخرط منها الآلاف في صفوف التمرد ، إلا أن قيادة الدعم السريع تضمر كراهيةً وغلاً تجاه الرجل ، لدرجة أن عبدالرحيم دقلو رفض وجود الفريق أول مفضل في مفاوضات المنامة السرية !! ~ ولا شك أن سبب كراهية آل دقلو للرجل هو الدور الكبير الذي قام به ومؤسسة الجهاز في إحباط عملية الإطاحة بالدولة وابتلاع القوات المسلحة في أسبوع الحرب الأول ، فخاب ظن حميدتي وأخوانه وفشل مخطط سادتهم الأغبياء.~ الفريق أول مفضل من جيل معتق في الجهاز ، غير أنه يتميز على مَن سبقوه وخلفوه في الديسك السياسي ، بأنه مستقيم وحكيم ، متدين ومهني ، لا ولاء له لقبيلة أو حزب ، ولاؤه الوحيد للسودان .. الشعب .. الأرض والدولة.~ *في مكتب الرئيس .. كيف يبدو البرهان ؟* ~ داخل مكتب رئيس مجلس السيادة وقف المدير الجديد لمكتبه اللواء الركن عادل سبدرات وإلى جواره سكرتير المكتب المقدم مدثر عثمان ، وفي الصالون وقف الفريق أول عبد الفتاح البرهان يستقبل الوفد واحداً تلو الآخر ، بينما توثق الكاميرا الفوتوغرافية والتلفزيونية مصافحة الرئيس لأعضاء الوفد.~ جلسنا بعد أن دعانا للجلوس ، وبدأ يتحدث باستفاضة عن خلفيات الحرب وما تلاها وصولاً إلى دعوة مفاوضات جنيف ، استغرق حديثه نحو عشرين دقيقة دون توقف ، ولم يكن يستخدم أي مذكرات أو يلجأ إلى نوتة وقلم يرقدان على طاولة صغيرة إلى يمينه.~ إكتسب الجنرال البرهان خبرةً في التعامل مع الإعلام ، ورغم ما تبدى على وجهه من رهق ، إلا أنه كان متقد الذهن حاضر البديهة.~ البرهان قال إن الجيش عثر على وثائق ومستندات في برج رئاسة قوات الدعم السريع بعد ضربه ، تكشف عن مخطط الاستيلاء على السلطة في السودان ، إضافة إلى رصد مكالمة هاتفية بين حميدتي وضباط إماراتيين في شهر مارس قبل الحرب ، يقولون فيها لقائد التمرد : (سنعود قريباً إلى السودان لنهنئك بالرئاسة في القصر الجمهوري) !~ الفريق أول البرهان برأ ساحته من مسؤولية تمدد الدعم السريع على حساب الجيش ، حتى بلغت قوته نحو 200 ألف جندي ، وقال إنه استلم السلطة وقد كان عدد القوات 106 ألف جندى ، أُضيفت لها 60 ألف من قوات حرس الحدود والمجندين بموجب الترتيبات الأمنية أواخر عهد النظام السابق.~ الرئيس البرهان أكد أن القوات المسلحة ستنتصر في هذه الحرب وتجبر المتمردين على الخروج من منازل المواطنين ومغادرة كل المدن والقرى في الخرطوم والجزيرة ودارفور ، وقال إن دعوة الأمريكان لنا إلى مفاوضات جنيف (لم تكن محترمة) ، ولن نوافق إلا بمشاركة وفد يمثل حكومة السودان وليس الجيش.~ البرهان شكر مصر حكومة وشعباً على استقبال السودانيين في أزمة الحرب الراهنة ، وأكد أنه على تواصل مستمر مع الرئيس عبدالفتاح السيسي.~ وبشأن محادثته مع رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد ، قال إن الوسيط كان رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد ، و أنه كان واضحاً مع بن زايد وكاشفه بالمعلومات المتوفرة والموثقة عن رحلات الطيران الإماراتي التي زودت المليشيا يالسلاح والذخيرة والمؤن وعن الطائرات الإماراتية التي حملت قادة التمرد إلى عدد من العواصم الأفريقية ، وأنه خاطبه ( كل هذا يتم بعلمك أو بدون علمك ، وبالتالي أنتم تشاركون في قتل الشعب السوداني). وعد محمد بن زايد بإصلاح ما يمكن إصلاحه واستمرار التواصل.~ بالنسبة لآلية الرقابة المقترحة من الجيش لعملية وقف إطلاق النار ، كشف البرهان أنهم اقترحوا مراقبين من مصر وجنوب السودان وعدد من دول الجوار ، إلا أن قيادة المليشيا رفضت وجود مصر وجنوب السودان في الآلية !!~ بعد أن أكمل حديثه الأول ، طلبتُ من الرئيس أن يسمح لكل واحد منا بطرح سؤال ، فوافق بعد أن قال (يعني الكلام دا كلو ما كفاكم ؟).~ طرح كل عضو من الوفد سؤالاً ، وكان الرئيس يجاوب مباشرة بعد السؤال ، كان مباشراً وواضحاً وسريعاً .~ وجهنا له كل الاسئلة المطروحة من قبل الشارع السوداني ، غير أن بعض الإجابات غير مناسبٍ للنشر في الوقت الحالي ، لتأثيرها على مجريات حرب الكرامة.~ بعد نهاية المقابلة الرسمية ، وقف البرهان يتبادل معنا الحديث وبدا لي أنه كان يرغب في تمديد زمن اللقاء الذي اقترب من الساعة ونصف الساعة ، إلا أن مدير مكتبه اللواء سبدرات كان يذكره بالبرنامج التالي خارج المكتب.~ كان الرئيس البرهان منفتحاً وسعيداً بالتواصل مع الوفد السوداني المصري ، وكنا أيضاً سعداء بأن يكون ختام رحلتنا إلى بورتسودان لقاء رأس الدولة لنتزود بالمزيد من المعلومات ونتعرف على الكثير من الخلفيات لتساعدنا في قراءة المشهد السياسي والعسكري على نحو صحيح.~ أقوال الفريق أول البرهان توافق أقوال الفريق أول كباشي والفريق جابر ، لا تناقض بينها ، وقد توصلتُ إلى نتيجة مفادها أن قيادة الجيش متفقة ومتسقة تماماً وعلى هذه الوحدة والصلابة تكسرت نصال المؤامرة الأمريكية الإماراتية في جنيف.~ صباح اليوم التالي كنا في صالة كبار الزوار بمطار بورتسودان ، وكان اللواء التجاني والعميد الحوفي في وداعنا ، بينما أشرف الضابط المنضبط حاتم على تكملة الإجراءات بهمة عالية.~ الشكر الكثير الغزيز لمدير شركة بدر للطيران في مصر الأستاذ عثمان الأحمر الذي كان بكامل طاقمه في وداعنا بصالة الدرجة الأولى في مطار القاهرة ، وبذات المثابرة تابع المدير التنفيذي لشركة تاركو للطيران الأستاذ موسى محمد علي رحلة مغادرتنا إلى القاهرة وأشرف طاقم تاركو في مطار بورتسودان على توفير كافة سبل الراحة للوفد.~ *انتهت الحلقات .*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى