مقال حزين عن وفيات حادث التهريب بأسوان ( فى وداع آل جنقول شكراً للسودانيين والأسوانيين ) بقلم : محمد الأمين أبوزيد

*فى وداع ال جنقول شكراً للسودانيين والاسوانيين*
فجعت اسرة الرفيقين والصديقين انس وامير جنقول برحيل اربعة افراد من الاسرة دفعة واحدة اثر حادث حركة اليم فى سكة الموت طريق العبور من الحدود السودانية الى الحدود المصرية بحثاً عن حياة وامان فراراً من جحيم الحرب العبثية التى تدور فى السودان.*مرارة الرحيل والتسليم*رحل اثر الحادث الأليم احد عشر سودانيا وسودانية من جملة المسافرين السبعة عشر على ظهر العربة الهايلوكس.بالامس قمنا بمواراة افراد الاسرة المكلومة وهم ابراهيم الجاك على جنقول 32عاما ووالدته نجود ابو الوفاء جنقول واخته ايلاف الجاك على جنقول وزوج اخته المقدم بالقوات المسلحة مهندس عادل الياس.لقد قدر الله لى ان اكون ضمن المغلسين لجثمان الشهيدين عادل وابراهيم تكشف الاثار على الجثامين تعرضهما للحريق والكسور وتعميم الجسد بالجروح والكدمات،وتشير الافادات الى ان المتوفيين قد استسلما لقدرهمابعد ان وحدا الله ونطقا بالشهادة.وضمن هذا المشهد المأساوي القدرى تقذف ايلاف بفلذات كبدها الصغيرين يوسف ومريم وابن زوجها محمد خارج العربة ليكتبوا بفضل الله من الناجيين.ضمن الناجين من اسرة الجاك على جنقول احمد الجاك 18عام هذا اخر من تبقى من الاسرة. يحكى احمد انه شاهد عادل تلتهم النار جسده وقد حاول ان يزحف لينقذه ولكن للكسور التى اصابته لم يستطع فعل شى،القدر اسبق..كتب الله قدره وهو القائل فى التنزيل (لاتدرى نفس بأى ارض تموت ،وماذا تكسب غدا)لقد ساقت الاقدار هذه الاسرة التى فقدت عائلها وربها الجاك على جنقول قبل سبعة اشهر فى القاهرة بعد حضوره إليها مستشفيا من السعودية ليكتب القدر ان يموت ويدفن فى ثراها ،ومن تراتيب القدر ان اكون متابعا حاضراً تفاصيل مرضه حتى وفاته وغسله ودفنه..بدأت رحلة هذه الأسرة بحثاً عن الامان وانقاذ النفس منذ سقوط مدينة ودمدنى على يد قوات الدعم السريع ،حطت بهم المقادير فى قرية عبود بالمناقل وساقتهم الاقدار بحثاً عن الامان المفقود جراء الحرب العبثية الى مصر عبر اختراق الحدود فى رحلة المخاطر ،ليكتب القدر النهاية فى قرية العلاقى داخل الحدود المصرية بالقرب من اسوان،انه الفرار من قدر الله الى قدر الله.*طريق الموت فى رحلة البحث عن الحياةوالامان*تحكى الروايات والقصص المحكية عبر رواتها أن السفر عبر هذا الطريق تكتنفه مخاطر جمة حيث يتم ترحيل البشر بطريقة لاتنم للإنسانية بصلة بدءاً من الوسيلة انتهاءا بطريقة السفر التى يربط بها المسافرين بالحبال لكى لايسقطوا جراء السرعة الزائدة والتهرب من الشرطة فى طرق بين الجبال والكثبان الرملية وفى زمهرير الشتاء.وفى جانب الآخر تروى قصص القبض على المسافرين عبر الطريق بعد سجنهم وترحليهم الى حلفا من مختلف الأعمار.هنا ليس للظرف الإنسانى الذى تمر به البلاد مجال يعفى من القانون او يجعل له استثناءابرغم من ان هذا ممكناً فى الإطار الانسانى العريض.لم يكن السودانيون محتاجون لركوب مثل هذه المخاطر والخروج من بيوتهم الآمنة الا فى ظل مأساة الحرب العبثية وقادتها ومسعريها المجرمون.*السودانيون فى أسوان نسيج متفرد يشبه أصله*رغم مأساوية الحادث ومترتباته التى اتت بنا من القاهرة لترتيبات الدفن ومعرفة التفاصيل الخاصة بالأسرة المكلومة المجروحة.لقد وجدنا طيفاً من المجتمع السودانى فى اسوان يتكون من أطباء وطبيبات الامتياز العاملين بالمستشفيات الاسوانية وابناء العبابدة القبيلة المشتركة وعمال الذهب فى الحدود المصرية السودانية(الدهابة) هذا الطيف الواسع ظل مرابطا فى المستشفى منذ لحظة الحادث وقاموا بكل مايلزم من مباشرة المصابين وملازمتهم وتوفير احتياجاتهم وانتهاءا بدفن الموتى ،وفى سبيل ذلك لم يستبقوا شيئا من مرؤة ورجولة وإيثار ونخوة وكل خصلة وقيمة انسانية برغم من انه لاتجمعهم باهل الحادث الا سودانيتهم..انه السودان الحقيقى النقى الذى يسكن قلوب الانقياء الرجال الذى لاتراه نزغات العسكر السلطوية ومسانديهم فى الحرب العبثية..انه الوجه الحقيقى للسودان الاصلى الذى عرف به،ولجينات القيم الرحيبة المتجذرة فى انسانه.لقد قام هؤلاء بجهود عظيمة تستحق الاحتفاء والفخار،وهى مآثر لاتعرف ولاتوسم الا بخاتم انا سودانى…بلادى ياسنا الفجروينبوع الشذى العطروملهمتى اغاريدى وآيات من الشعر*المجتمع الاسوانى صور زاهية*المجتمع الاسوانى يشابه المجتمع السودانى فى سمات عديدة فالسمرة السودانية هى السمت الغالب وتفاصيل الثقافة والحياة فيها تشابه كبير،المجتمع الاسوانى هو امتداد لتكوين اجتماعى سودانى مصرى مشترك اساسه النوبيون والعبابدة والعليقات والبشاريين والجعافرة وهذه قبائل مشتركة ونسيج اجتماعى وثقافى موحد وممتد بين البلدين..المجتمع الاسوانى بدءاً من عمال المشرحة وعمال المقابر وغيرهم ظلوا يتحفونا بكل حفاوة واستقبال ويعملون بتجرد ودون اى مقابل تجاه اى خدمة،على عكس مجتمعات الحواضر المركزية فى المحروسة حيث تدفع عن كل خدمة مقابل حتى اخر ذرة تراب تهيلها على المتوفى.انه مجتمع متيمز حقيقة ضمن المجتمع المصرى الواسع ،وزو خصائص تتمتع بالفرادة والاستقلالية.*الموت حقيقة تستعصى على التآلف*رغم انه الحقيقة الماضية منذ خلق البشر الى يوم النشر ،الا انه يستعصى على افهامنا المحدودة وادراكاتنا القاصرة ولذلك يصعب التآلف معه لاسيما عندما يرتبط بظرف ماساوى عام وخاص،والانسان فى خضم التسليم والايمان بالقدر كركن من اركان لا يسعه الا الاقرار بجدلية الموت الذى وصفه رب العزة بالمصيبة والبلوى.كيف يستطيع اهل مريم ويوسف ومحمد بعد عشرات السنين ان يحكوا لهم قصة هذا الحادث الذى فقدوا فيه ابوهم وامهم وجدتهم وخالهم دفعة واحدة،لن يملكوا الا ان يشرحوا لهم حقيقة الارادة والقدر وجدلية الموت العصية..اللهم ارحم اسرة جنقول الراحلة الى دار البقاء والخلود واربط على قلوب اهلهم وزويهم وابدلهم دارا خيرا من دارهم واهلا خير من اهلهم واسكنهم الفردوس الاعلى وتقبل شهادتهم عندك انك ولى ذلك والقادر عليه.*محمد الامين ابوزيد*
*اسوان 23/2/2024*