الدبلوماسي د وليد سيد يكتب : إلى الدكتور حسين محمد عثمان في عليائه

الي الدكتور حسين محمد عثمان في عليائه:
سبحانه جل شأنه من قدّم الموت علي الحياة ( خلق الموت والحياة )ومن جعل الموت (النهاية) بداية لحياة اخري خالدة، فقد السودانيون بمصر رمزاً وعلماً وقامة كبيرة برحيل الدكتور حسين محمد عثمان والذي يمثل رحيله فقداً جللًا لاهل السودان بمصر،فقد عاش بين الجميع حُسيناً كإسمه محبوباً مُحسناً ونسمةً ومحبة ومضي الي بارئه بذات الاحسان والمحبة والهدوء،كان الدكتور حسين والد الجميع واخ الجميع وحبيب الجميع ، وكان بيته بالدقي سفارة متكاملة وقبلة لكل اهل السودان تجد فيه المثقفين والفنانين والصحفيين والسياسيين والدبلوماسيين والمسئولين واصحاب الحاجات وطلاب العلم وكل الوفود الزائرة كان لزاماً عليها ان تُلبي دعوته علي غداء سوداني اصيل . لم يبخل علينا باي شئ وقتها تعرفتُ عليه وانا اتلمس الخُطي في مشوار دراساتي العُليا بجامعة القاهرة وكان يضُخ الامل ويمنح الثقة ويُسدل عليك سرابيل الامان ومحنّة كبار اهل السودان.
ظل الدكتور حسين ملاذاً وملجأ لجميع اطياف الجالية السودانية بمصر ليس في القاهرة وحدها فقط، فقد امتد عطاؤهُ من اسوان الي الاسكندرية ومن السلوم الي العريش وذلك علي الرُغم من مشغولياته في منظمة العمل العربية، إلا أنه ظل مُجتهداً للتواصل مع كل الدور السودانية بالقاهرة وإسنادها وحثها علي لعب الادوار الوطنية،ومع قُربه الجغرافي وعلاقاته بأسرة دار السودان بشارع شريف وسط القاهرة لم يمنعه ذلك من ان تظل ابوابه مُشرعة لجميع أُسر الدور السودانية في القاهرة من جمعية صاي وعين شمس والجبل الاصفر و٦ اكتوبر، والعاشر من رمضان يصلهم في اماكنهم ويشهد احتفالاتهم وبرامجهم ،وظل كذلك مداوم الحضور بطلته البهية واناقته المعهودة مشاركاً في احتفالات بيت السودان المختلفة بالسيدة زينب وكان بذات الحضور البهي في كل برامج سفارة السودان وبيت السفير بالمعادي وملبياً لكل نداءات الوطن .
كان الدكتور حسين مبذولاً للجميع خيراً ونُصحاً ومودة، لم تفارقه الابتسامة وهو في اصعب المواقف، هاشاً باشاً ودوداً، نقي الروح اصيل المعدن صادق الوفاء سليم السريرة كان مرجعاً للجميع في شئونهم الخاصة والعامة، لم يُغضب احدا او يحّمل علي احد، فمازال اهل السودان بمصر يذكرون نصائحه وقضائه لحوائج الناس وهو يتنقّل بين سفارة السودان ودور الجالية يبحث عن هموم الجالية في مكتب السفير او القنصل ( في الحج والاراضي والخدمات الهجرية والتأمين الصحي والجوازات ومساعدة البسطاء وشنطة رمضان وغيرها من الخدمات) ومابين ذهابه وإيابه ينثر السلام والامان والطمأنينة علي الجميع صغيراً كان ام كبيرا، فقد كانت الجالية السودانية وهمومها تُمثل له دافعاً لكيفية جمع الشمل والبُعد عن الخلافات وتجاوز القبلية والجهوية والعمل علي رفعة السودان وإسمه بمصر وتعزيز العلاقات السودانية المصرية.
ومع انطلاق المجلس الاعلي للجالية كرّس جُلّ وقته في تعزيز مكونات اهل السودان بمصر في جميع الدور السودانية المنتشرة بمصر في القاهرة والاسكندرية والاسماعيلية وبورسعيد والسويس وأسوان ووهب حياته للخير والحق والفضيلة ورِفعة السودان وإعلاء شأنه فاكتسب محبة الجميع وامتدت علاقاته لتشمل المصريين والعرب بمصر عبر عمله بمنظمة العمل العربية. فما من احد يصل قاهرة المعز الا ويسأل عنه ومن ثم يقوم بزيارته فإكتظت داره بالزيارات والدعوات، وحتي في مرضه تسابق الجميع للسؤال عنه وعن احواله فالكل يريد ان يُرجع اليها ويرُد ولو قطرة من فيض مودته العميق.
وبعد الرحيل بكاءه الجميع دمعت القلوب وانفطرت قبل الاعين الرجال قبل النساء والاهل جميعهم بامتدادات السودان وخارجه ، لم يكن اهله فقط هم اهل (ناوا )بدنقلا ولا اهل الشمال كان اهله كل اهل السودان،فقد عاش قومياً يكتسي ثوب السودان العظيم بكل سحنات اهله ومات قومياً بذات الثياب، ولذلك كان وجع السودانيين بمصر كبيرا كبيرا عليه وصار الكل يُعزي الكل فلم يكن العزاء لزوجته ورفيقة دربه( الاستاذة ست البنات )فقط او ابنه ( الدبلوماسي حُسام) او بناته ( وفاء ونهي وعلا وعلياء) او اخوانه واخواته او آل عثمان حماد ،لكن كان العزاء مفتوح للجميع من الجميع (ماذا بينك وبين الله يادكتور حسين؟ ماهي خبئتك؟ ايُّ سّر إستودعه الله فيك؟ام هي محبة الله انزلها عليك وبانت في محبة الناس إليك!) ولذلك ستبقي روحه بين الجميع وفي قلوب الجميع رمزاً للكرم والمحبة والتسامح وشتي ضروب الخير والفضل،فقد ذهب بلا وداع يليق به وبتكريمه عن ادوار كبيرة ظاهرة للعيان واخري باطنة لا يعلمها الا الله. فالدكتور حسين رحمه الله من جيل العمالقة الذين سطروا اسمهم باحرف من نور ووضع بصمته بيضاء تسر الناظرين وقدم دروساً للجميع في الوطنية ودروبها واحترام الآخرين ومحبة الناس.وعزاءنا فيه ان يمضي الجميع علي دربه في الزودِ عن الوطن وإعلاء شأنه وحمّلِ قيم أهل السودان وخصالهم الطيبة علي أرض مصر الحبيبة وبين اهلها الكرام.
أرفعوا الاكف وانتم موقنون بالقبول فلا احد يستطيع ان يوقف حُزنه عليه ولكن اجعلوا غزارة الدعوات اكبر من الدموع فهو احوج مايحتاجه الان، اجعلوه دعاءً هادراً تُؤمّن عليه ملائكة السماء وتشهده ، دُعاءاً يُقلل الفاجعة ويخفف المصيبة، نسال الله ان يتقبله مع الشهداء والصالحين وان يكرم نُزله ويرحمه رحمة واسعة ويجعله الان في نعيم مقيم مع اصحاب اليمين، ينظر الينا ببُشارات الجنة واللحاق به هناك وهو راضٍ عننا اجمعين يوم لاينفع مال ولابنون الا من اتي الله بقلب سليم، ونحسب ان الدكتور حسين صاحب قلب سليم،رحمه الله رحمة واسعة وجبر الكسر ووهبكم جميعا الصبر والسلوان.
خالص التعازي لاسرته الكريمة وللاهل والاصدقاء ولاسرة منظمة العمل العربية وجامعة الدول العربية ولعموم اهل السودان بمصر وكل الدور السودانية بمصر داراً داراً، ولاسرة السفارة السودانية بالقاهرة والقنصلية العامة بأسوان، وانا لله وانا اليه راجعون.
د.الوليد سيد محمد علي
وزارة الخارجية
٢٠٢٤/٢/٩