Uncategorized

مدني الدندر الوجه الآخر … بقلم د. محمد الشنيدي … تلفزيون السودان

مدني الدندر الوجه الاخر .. د. محمد الشنيدي .. تلفزيون السودان.

الفارون من جحيم الحرب في مدينة ود مدني .. يعبرون سنار ثم سنجة واخيرا تتكدس سياراتهم في مدينة الدندر .. حيث الزحام يسد الأفق وعقارب الساعة تزحف كالسلحفاة .. ورجال المرور والذين يساعدوهم من المواطنين يحاولون أن ينظموا حركة السير لكنهم كمن يحاول ايقاف السيل بكلتي يديه ..والناس داخل سياراتهم واجمون كأنهم أصنام .. الصمت سيد الموقف .. والتأمل في تداعيات الحرب يفرض نفسه .. هنا اطفال يبكون داخل سيارة والخوف في عيونهم .. والهلع في قلوب الكبار .. وهناك من وراء الزجاج شيخ كبير هدته تصاريف الأيام وهده السفر .. أم غارقة في أحزانها .. شابات جميلات يركبن علي ظهر عربية بوكس مكشوف والحرب تختبيء في جمالهن .. شاب يفيض قوة منكفيء علي الدركسون لكنه مكسور الخاطر .. امرأة فاضت روحها إلي بارئها وهي داخل سيارتها دفنها أهل الدندر في مقابرهم وحزنوا عليها كأنها عاشت بينهم عشرات السنين .. أسرة مكدسة داخل صندوق سيارة صغيرة هي في الأصل سيارة لتوزيع الزبادي .. شباب يتأملون كيف تحولت مدني .. من مدني الجمال والفن والرياضة إلي مدني الرصاصة والدانة والحريق .. واخرين يتأملون كيف تنبأت الأغنية بحال اليوم حينما كتب الشاعر ” ولا أسيبا مدني وأجي أسكن حداك ” .. مجموعة من الأسر محشورة في عربية دفار يفترشون الحديد ويستظلون من شمس النهار بقطعة قماش مشدودة أعلي السيارة وطفل يتشابي ليخرج رأسه من بين زوايا الحديد لكنه يبدو كمجرم خلف قضبان السجن ..والناس في هذه الحالة لا توقظهم الا أصوات أهل الدندر وهم يعرضون لهم الكرم والطعام والشراب والدواء .. اتفضل الفطور يا حاج .. العصير يا امي .. الشاي والقهوة يا ابوي .. الحبوب والدواء يا حاجة .. رجال ونساء منهمكون في خدمة العابرين .. يااااه يا الله .. أحلم هذا أم خيال أم حقيقة .. فإذا كان تبسمك في وجه أخيك صدقة .. فما بال كل هذا الكرم الحاتمي والتداعي الانساني ..سألتهم هل أنتم منظمة أم جمعية أم ماذا ؟؟ أجابوا بصوت بل بقلب واحد .. نحن أهل الدندر بدون ألقاب أو أسماء أو صفات .. أدخلوني غرفة لتناول الشاي والقهوة ووجدتهم يجهزون عبوات طعام صغيرة وحتي لا اكون متفرجا باغتني أحدهم ” عبي يا أستاذ” ‘ يا سلاااام ناس جميلين .. حاولوا أن يشركوني في الأجر.التحية لأهل الدندر وهم يرسمون لوحة إنسانية رائعة .. ويوقدون الشموع ولا يلعنون الظلام .. ويفعلون ذلك لوجه الله تعالي لانه ليس لهم سابق معرفة بالعابرين وليس بينهم مصالح ولا يفكرون أنهم سيلتقوهم مرة أخري كما أنهم لا يفرقون بين العابرين ولذلك فهي محبة لوجه الله تعالي ..في هذه الأجواء المشحونة بالعواطف والشهامة ونكران الذات والمروءة تجد نفسك وقد خنقتك العبرة ثم تغالب الدموع وكثيرون تملكتهم حالة أجهشوا بعدها بالبكاء .. فهذه قيم تلمع لمعانا في زمن الحرب ؛ وعطاء في زمن الفقر المادي ؛ واخلاق في زمن الفقر الأخلاقي .. هذا شعب نبيل سينتصر بأخلاقه وقيمه وهو كالذهب ستزيده نار الحرب لمعانا وأصالة .. وان الصبح قريب وان طال الظلام .. محمد الشنيدي .. الدندر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى