الخبير العماني د سليمان الفهدي يكتب لماذا ينجح بعض الأشخاص بينما يفشل آخرون ؟

بقلم/ د. سليمان بن سالم الفهدي

لماذا ينجح بعض الأشخاص بينما يفشل آخرون*

قبل أن نتحدث عن أسباب نجاح الأشخاص أو فشلهم، دعونا نتحدث عن النجاح والفشل ذاته، فكل إنسان يستطيع أن يعبر عنهما وفقاً لخبراته الحياتية أو مستوى الثقافة والعلم الذي يمتلكه، وكذلك فإن لقيم ومبادئ الإنسان تأثير بالغ الأثر على مفهومي النجاح والفشل لديه.* *فمن الناس من يقيس أسباب النجاح والفشل في جوانبه المادية، وآخرون يقيسونه في الدرجة العلمية أو المستوى الاجتماعي وغيره، والقليل من الناس من يكون مقياسه للنجاح في مدى إسهام الفرد في خدمة الأمة وفكرها وقيمها ونهضتها.* *لربما سوف يكون منحى حديثي عن أسباب النجاح أكثر من أسباب الفشل، ليقيني أنه حينما نكرر الصور الذهنية للنجاح سوف تتحسن أفكارنا وأفعالنا وإنجازاتنا، ونتخذ ذلك مسلكاً قويماً في حياتنا، وكل تلك الإيجابية ليس لأننا نتجاهل أسباب الفشل ، ولكن لنتخذ سلم النجاح مساراً وقراراً في حياتنا، نعيش من أجله.* *ولكي نؤسس معادلة متكاملة الأركان، يجب أن يكون النجاح وسيلة فعالة لتحقيق الذات وخدمة الأمة، وليس معارف ومهارات للشهرة والوجاهة، وإلا لعد ذلك فشلاً ذريعاً ينساق إليه الواهمون والأنانيون. فمن الأهمية بمكان أن يبنى النجاح على أسس سليمة من القيم والأخلاق الرصينة، دون قلق أو خوف من الفشل، ودون تفكير في الماضي إلا للعبرة والاستفادة من التجارب دون غلو وغرور حين كسب النجاحات المتتالية، وتلك ركائز يستقيم بها الناجحون حين تبنيهم لها، وتزيد من فشل الفاشلين حين لا يعيرونها اهتماما.* *فعندما يتبنى الناجحون قيماً ومبادئ كالتواضع والشفافية والإيجابية والتسامح مع الآخرين دون ضعف منهم، سوف تكون لديهم قاعدة ينطلقون من خلالها نحو التميز والإبداع والإتقان، ليكونوا خبرات متنوعة في مجالهم، مع فضولهم المستمر للتعلم واكتشاف المستجدات، مكتسبين مهارات جديدة متعلمين من تجاربهم آخذين منها الدروس والعبر، متخذين من تجارب الآخرين الناجحين منهم والفاشلين دروب النجاح.* *هكذا هم الناجحون بخلاف الفاشلين الذين يتخبطون في الحياة دون قيم ومبادئ أو حتى أهداف واضحة، غير مبالين بأنفسهم أو ما يدور حولهم من أحداث وتغيرات في كافة مجالات الحياة، يغطون في نوم عميق، مبتعدين كل البعد عن أسباب النجاح ومنطلقات التقدم ومسارات الناجحين، ليس لديهم طموح ويقبلون بأن يكونوا مع الخوالف أو ما دون ذلك، رغباتهم لا تتعدى حاجاتهم الفسيولوجية، وقدراتهم ومهاراتهم متناهية الضعف، غير آبهين بالبحث عن فرص النجاح، أو حتى تحسين مهاراتهم، قابعين في جهلهم وضلالهم.**لماذا ينجح بعض الأشخاص ويفشل آخرون؟* *وجب علينا الحديث عن أسباب النجاح لعلنا والآخرون أن نضعها في الفعل إذا ما أردنا النجاح لنا ولمن حولنا لنسهم جمعاً وفرادا في الارتقاء والنهوض بالأمة، وحينما أسلفنا في حديثنا سابقاً بأن النجاح قرار قائم على القيم والمبادئ ليستطيع الأشخاص الناجحون شق طريقهم نحوه ، وجدنا أن هنالك أسباباً مهمة أخرى، ومن أبرزها فهم الذات والقدرة على إدارة الحياة والتعامل مع المشاعر الشخصية، فبالتالي سوف تتضح للأشخاص الناجحين الرؤية حول أوجه القصور ليسعوا إلى تطويرها وتحسينها، وتتجلى لديهم نقاط القوة ليتسنى لهم توظيفها والاستفادة منها.* *فالناجحون هم من يستطيعون التخطيط لحياتهم وفق معايير ومؤشرات أداء واضحة وقابلة للتحقق وفق أولويات أبرزها الأمة والدين وحركة العلم، والنفس والأدوار في الحياة في توازن بين جوانب الحياة المختلفة الروحية منها والعاطفية والعقلية والجسدية، آخذين في الاعتبار الجوانب المادية وأبرزها الدخل الشهري، كون أن الناجحين لديهم التزامات مالية مضاعفة لا يدركها الناس العاديون.**أما الناس الفاشلين فهم من يخططون لفشلهم في أقوالهم وأفعالهم، ليس لديهم أهدافاً واضحة في حياتهم، لا يفكرون إلا في أنفسهم دون توازن بين مناحي الحياة المختلفة، بل يتعدى الأمر ذلك ، حينما ينعكس فشلهم في محيطهم الأسري أو بيئة العمل أو أصدقائهم، والخوف كل الخوف أن يصبحوا معول هدم في المجتمع المحيط بهم.**لقد أسلفنا سابقاً بأن الناجحون ملتزمون بتطوير مهاراتهم، وعليه سوف نتطرق إلى مجموعة من مهاراتهم الهامة لتحقيق أرقى مؤشرات النجاح مثل مهارات إدارة الذات والتي تنطلق من التخطيط للحياة وإدارة الوقت اللازم لما خطط له دون تشتت في مهام عديدة لا يمكن إنجازها، فعلى الناجحون فهم قدراتهم وامكاناتهم فهماً عميقاً ليستطيعوا التحكم في ذواتهم قبل الإقبال على أي فعل أو مهمة ما، مع المراجعة الدائمة للخطط والإنجازات المرسومة بهدف تصحيح المسارات لتحقيق أفضل النجاحات.* *الناجحون يتمتعون بمهارات قيادية وإدارية يمكنهم من خلالها التأثير على من حولهم بفعالية، لتميزهم بمهارات وفنون تحليل الشخصيات التي يتعاملون معهم ومنهجية اقناعهم بعديد الطرق، مع الحفاظ على العلاقات الإنسانية وفنون التواصل والتعامل بكفاءة وفعالية، فبذلك يحرك الناجحون تلك الأدوات والعوامل نحو تحقيق الأهداف، بخلاف تميز الناجحون بفنون اتخاذ القرارات السليمة بشأن حياتهم الشخصية أو العملية، متخذين الإبداع والحداثة والتطوير والتغيير المستمر نهجاً في حياتهم، والعلم والمعرفة وسيلة أساسية لتحقيق ذلك.* *كثيرة هي أسباب النجاح في عصرنا الحالي، فمثلا حينما يستطيع البعض من الظهور الإعلامي في وسائل الإعلام المختلفة من تلفاز وإذاعة وصحافة، ووسائل التواصل الإلكتروني المتنوعة، فتلك فرصة ممتازة من فرص النجاح، بل ومن الأسباب المهمة أيضاً هو القدرة على اللقاءات المباشرة مع الجمهور وتقديم الخطب والمحاضرات والدورات، والمشاركة في المؤتمرات والندوات، بل ويتعدى الأمر أن تكون هنالك مواقع خاصة على الإنترنت، وذلك للإسهام بكافة الخبرات الممكنة بل وتوظيف تلك الوسائل من أجل المكاسب والنجاحات المعرفية والعلمية والاجتماعية والمادية وغيرها، فلا بد من ممارسة ومعاصرة كافة المستجدات الممكن توظيفها للوصول إلى أعلى درجات سلم النجاح والتميز. فبتلك الوسائل يستطيع الناجحون تسويق أنفسهم للمجتمع وتغطية أنشطتهم وإبرازها للوصول إلى الشهرة والنجومية.* *وعليه يتمكن الناجحون من اتخاذ قرارات أفضل، ليتمكنوا من قيادة التغيير المستمر سواءً كان ذلك على المستوى الشخصي أم المحيط الذي يعيشون فيه، متخذين الثبات والاستمرارية على الخطط والأهداف شعاراً والذي بدورة سوف يغذي الحافز الداخلي الذي لا يتأثر بالمثبطات وأسباب الإحباط التقليدية، مع درجة كبيرة من الصبر والأناة من خلال استراتيجيات واضحة وموثقة دون التأثر بالإخفاقات ونوبات أي فشل قد يحصل، آخذين في الاعتبار المضي قدماً نحو النجاحات المستمرة.* *فالناجحون يُقبلون كثيراً وبكل جرأة وشجاعة على التغيير ولا يخافون من ذلك، رغم أنه من أصعب القرارات التي يتخذها الإنسان في حياته، بسبب النسق السريع للحياة والتجاذب بين مناحي وسبل التقدم والنجاح وبين التحديات والتطورات العصرية من تكنولوجيا وغيرها الحاصلة في العالم المتسارع التغيير، فلذا أضحى التغيير من سنن الناجحين.* *ومن أبرز صفات الناجحين أنهم يعترفون بأوجه القصور لديهم وأخطائهم التي يقعون فيها، فهم يؤمنون يقيناً بأنهم ليسوا دائماً على صواب، ولكنهم لا يستمرون في الخطأ نفسه بل يتخطون الصعاب والأخطاء والتحديات بروح وثابة.* *الناجحون يتقاسمون النجاحات مع من حولهم دون تفريط في حقوقهم أو حقوق الأطراف الأخرى، وذلك ضروري لديمومة البيئة الصحية والمثالية للنجاح، فهم يتمنون النجاح لجميع من حولهم بل ويأخذون بأياديهم ويتمنون لهم التوفيق، وذلك بمثابة محرك ومصدر للطاقة الإيجابية لديهـم، وتكون شعاعاً ونبراساً لمن حولهم.**من هو الشخص الفاشل؟**حاولنا الإشارة فيما سبق الى أسباب الفشل والنجاح من ناحية شخصية، *أما السؤال الذي يطرح نفسه من هو ذلك الفاشل الحقيقي؟* *هل هو ذلك الشخص الماثل بأدلة وبراهين فشله؟ أم أن هنالك فاشل بل فاشلون مجهولون؟* *إن الفاشلون بطبيعة الحال هم أقل حظاً في الحياة من وجهة نظري الشخصية المتواضعة، فيمكن أن يولد الإنسان في بيئة معقدة وصعبة تحول بينه وبين النجاح من كثرة المحبطات التي حوله، فقد يعيش الإنسان دون أب أو أم أو كليهما، وقد يعيش محروماً من المأكل والملبس والمشرب والسكن، أو في بيئة تعيش الكثير من الصراعات والحروب أو الأمراض وقلة الحظ في التعليم وغيرها من الأسباب المباشرة والغير مباشرة التي من شأنها التأثير السلبي في حياة الفرد في تلك البيئة، وهذا ما قصدته في سؤالي عن الفاشل أو الفاشلين المجهولين، والذين يمكن أن يكونوا الآباء والأمهات أو قهر الشعوب والحكومات، أو المرض والجهل والحروب… وغيرها.* *وتنعكس تلك البيئة التي نشأ فيها ذلك الإنسان على فكره وسلوكه واتجاهاته ومن ثم ألا إنجازات، فيشعر ويتصرف كما يتصرف الفاشلون، وتكون أحلامه دونية تكسره العقبات البسيطة التي تقف أمامه لأنه لم يتسلح بثقة النفس والطمأنينة التي تؤهله لذلك، وترسخت لديه صوراً ذهنية بحتمية فشله الدائم.* *يسير الفاشل في حياته بلا هدى، تاركا أحداث الحياة تسير به أينما تشاء، خاضعاً للظروف لا يستطيع السيطرة عليها، سواء أكان ذلك في دراسة أو عمل حكومي، أو مؤسسة خاصة، أو في محيطه الاجتماعي بل وحتى في أسرته، تاركا خلفه ألا إنجازات يفتخر ويفاخر بها، لا يعيش حتى لنفسه من كثرة الهوان والضعف، لا حول له ولا قوة.* *هكذا هو الفاشل يقبع في زاوية ضيقة من الحياة مفضلاً الوضع الآمن من وجهة نظره الفردية القاصرة، غير محفز لنفسه خوض غمار الحياة وتجاربها، محتفظاً بكل ما هو تقليدي وقديم من سلوكيات ومهارات وخبرات وأصدقاء، أو يحمل في نفسه مشاعر مخالفة للفطرة ومناقضة للعقل وقوانين الكون والطبيعة، كالغضب والحقد والتخاصم مع النفس والحياة والآخرين، وصفات ذميمة أخرى، فتراه بعيدا عن الحب والسلام يعيش في حرمان من نعم الله تعالى، ناضرا للكأس النصف فارغ متجاهلاً القسم المملوء ، يعيش واهماً ومحاطاً بالفشل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.* *وأخيراً نستطيع أن ندرك أن النجاح والفشل طريقان متناقضان ونتيجتان مرهونتان بعوامل وظروف متنوعة ومعقدة في كثير من الأحيان، ولكننا لا نستطيع أن نجزم قطعاً أن الإنسان الفاشل في مرحلة ما من حياته لا يمكنه النجاح بل والتفوق في مراحل متقدمة من عمره، والعكس صحيح فبعض الأحيان ينجح أناس ولكنهم ولأسباب وظروف متنوعة كذلك يتذوقون مرارة الفشل.* *ولهذا نود أن نسطر بعضاً من الكلمات والعبارات التي تزيد من ههم الناس للوصول إلى النجاح وركب الناجحين، وأن لا يكون للفشل مكاناً في حياتهم من خلال الإجابة على السؤال التالي، ما الذي يجب أن تفعله الناس للوصول إلى النجاح؟* *يجب على الناس إذا ما أرادوا النجاح أن يؤمنوا إيمانا قطعياً بأنهم وجدوا لعمارة الأرض وهي أمانة من الله عز وجل، ولفعل ذلك لا بد من جهاد للنفس والعقل والبدن، لا بد من بذل الطاقات والوقت يوماً بعد يوم وجهد بعد جهد، وتدريب بعد تدريب، فالنجاحات الصغيرة تتعاظم وتكبر، فلا نجاح بدون ألم ولا فوز بدون منافسة شريفة، فلندرك ولنؤمن بأننا طاقات كامنة تحتاج منا أن نشعل فتيلها لنتقد عزما وقوة وإصراراً وصبراً ومجالدةً في سبيل نشر السعادة والحب، وفي سبيل تحقيق الإنجازات العظيمة حين نتشارك مع الناجحين في تحقيقها، فكن كما تريد أنت لا كما يريد الآخرون، أخرج من صمتك، قم بمواجهة الحياة، وتوقف عن الهروب من الفشل والألم، واتجه إلى سلم النجاح متخذاً أسبابه، تعيش حلاوته وسعادته حينما تحقق إنجازاتك ورغباتك المشروعة والممكنة بإذن الله تعالى.* *وعندما نقرر النجاح يجب أن لا نفكر في الماضي ونحمل أنفسنا همومه وإلا لن نتقدم قيد أنملة، بل يجب علينا المضي قدماً محققين ذواتنا متغلبين على عدونا الداخلي والذي هو أهم وأقوى من التحديات الخارجية، فلنتجاهل الماضي ولنعش الحاضر من أجل مستقبل مشرق بالنجاح، ولنستثمر كل الفرص المتاحة، بل ولنكن نحن من نصنع فرص النجاح بأنفسنا موظفين كل الإمكانات المتاحة بعناية وحذر لكي نبتعد عن الفشل وأسبابه.* *حين نعيش ونحيا من أجل النجاح والتميز بالجهد والمثابرة، فإننا نستحق ذلك النجاح ونستحق أن نعيش في سعادة، لأننا قررنا ذلك وبذلنا كل ما في وسعنا لنكون كذلك، فلتكن رغبتنا في النجاح بمقدار رغبتنا في التنفس، ولننجز ما يمكن إنجازه، حينها نعيش ونموت بكرامة الناجحين.*